كلمة رئيس مجلس الأمناء

من فعاليات مهرجان أيام العلوم الفلسطينية 2013 في مركز القطان للطفل في غزة

خمس سنوات مليئة بالتحديات

 

في بداية العام 2014، اجتمع كافة الزملاء العاملين في مؤسسة عبد المحسن القطَّان، إضافة إلى اثنين من أعضاء مجلس أمنائها في مدينة أريحا، لبحث خطتهم الاستراتيجية للأعوام 2014-2018 وتطويرها، وحضر اللقاءات، التي دامت ثلاثة أيام، معظم الزملاء من قطاع غزة عبر الفيديوكونفرنس.  هذه العملية الواسعة النطاق لتنظيم الحوار ما بين مجموعة من خمس وتسعين من الأفراد الطموحين والمتميزين بقدرات تحليلية فذة، وخيالات غنية، وطاقة جدلية مثيرة، لم تمر دون بعض الصعوبات والنقاشات الحادة (ونفاد الصبر في بعض الأحيان!)، إلا أنني أعتقد أن ثمارها الفكرية والوضوح الناتج عنها كانا في غاية النضج والأهمية للمؤسسة لكي يتسنى لها أن تبني مشاريع السنوات الخمس القادمة، على تربة خصبة، وأسس صلبة، وتخدم جميع الفئات المستفيدة من عملها بشكل أفضل.

 

وقد تمّ تنظيم اجتماع شبيه بمشاركة موظفي قاعات الموزاييك في لندن بعد أسابيع عدة، حيث خلص المشاركون في الاجتماع إلى خطة عمل خاصة بقاعات الموزاييك منبثقة عن خطة المؤسسة الأساسية.

 

لم نُدخل خلال نقاشاتنا أي تعديلات جوهرية على رؤيانا ورسالتنا، ولا على القيم الجوهرية التي تشكل عصب عملنا من الناحية الفكرية والأخلاقية.  ولكن، نظراً لتطور الأوضاع الخارجية إلى الأسوأ والأصعب من جهة، ولنمو المؤسسة في السنوات الخمس الأخيرة وتوسع نطاق عملها من جهة أخرى، تشكلت أمامنا، عند التحليل، نقاط القوة ونقاط الضعف التالية، التي تمخضت عنها سلسلة من الفرص والتهديدات التي ستؤثر، بشكل مباشر، على خططنا المستقبلية.

 

فعلى صعيد نقاط القوة، رأينا أن المؤسسة تتحلى باستقلالية مالية وفكرية، وبثقة الجمهور والمستفيدين والشركاء، بشكل يتيح لها بناء المشاريع المستدامة، وتطوير الشراكات التمويلية والبرامجية طويلة الأمد، وتطوير المشاريع النوعية بناءً على حاجات المجتمع.  وأنها راكمت عبر السنوات الخمس عشرة الأخيرة منذ بداية عملها في فلسطين، مجموعة من الموارد والخبرات البشرية المؤهلة، والمصادر والإمكانات التقنية المتقدمة، التي بإمكانها الاعتماد عليها والاستفادة منها إلى أقصى الحدود.  رأى الزملاء، أيضاً، أن مجلس الأمناء يقدم الدعم للجهاز التنفيذي وللعاملين في المؤسسة بشكل جيد، الشيء الذي خلق لديهم نوعاً من الارتياح والإحساس بالأمن الوظيفي.  ونوهت المجموعة إيجاباً بالنظام المالي الواضح، واللامركزية في الهيكلية البرامجية، ومواقف المؤسسة التقدمية فيما يخص الثقافة والتربية في فلسطين والعالم العربي كنقاط قوة وامتياز، إضافة إلى توسعها الجغرافي في أرجاء الوطن المحتل كله، وفي لبنان، وبريطانيا، فضلاً عن شراكاتها مع مؤسسات وأفراد في بلدان عديدة أخرى، الشيء الذي رسَّخ حضورها وسمعتها عربياً ودولياً.  رأت المجموعة أيضاً أن المؤسسة نجحت حتى الآن في خلق نماذج ملهمة، كان لها أثر إيجابي على عمل المؤسسات المحلية والعربية بل والدولية، وفتحت آفاقاً جديدة أمام العديد من الأفراد والمجموعات المستفيدة من خدماتها.  أخيراً، أشاد الزملاء بثقافة المؤسسة الداخلية المبنية على المراجعة التأملية، وتوظيفها في تحليل العمل، ونقده، من أجل تطويره نحو الأفضل.

 

أما على صعيد نقاط الضعف، فقد اتفقت المجموعة على وجود ضعف نسبي في الاتّصال والتواصل الداخلي والخارجي، وأدواتهما، وغياب خطة إعلامية واضحة للتواصل مع المجتمعين المحلي والدولي. وأشارت إلى غياب سياسة واضحة للتطور الوظيفي، والحوافز والمكافآت، وتقييم الأداء، والتدريب، ما أدى إلى عدم الرضا عند بعض الزملاء.  حذر البعض أيضاً من غياب الفهم المشترك لدى جميع الزملاء لرسالة المؤسسة، وتخوف البعض من صعوبة قياس الأثر لبعض مشاريعها، ومن تحفظ المؤسسة عن تطوير سياسات مناصرة وحشد للقضايا التي تؤمن بها.  وقد بحثت المجموعة مطولاً عدم استغلال المؤسسة، بالشكل الكافي والفعال، لرأسمالها المعرفي والتقني، الأمر الذي نتج –ربما- عن عدم وجود نظام عصري لإدارة المعلومات.  ونبه البعض إلى غياب خطط "توريث" للوظائف القيادية، وإلى تأخر المؤسسة في اتخاذ بعض القرارات الجوهرية.  أما على الصعيد البرامجي، فقد ارتأى البعض أن ضعف التنسيق ما بين المسارين الرئيسين في المؤسسة -التنمية التربوية والتنمية الثقافية- أدى إلى انخفاض مستوى تكاملية البرامج المنفذة، وهو شيء يناقض قناعة المؤسسة بأن التربية والثقافة يجب أن تشكلا عملية واحدة.

 

عن هاتين القائمتين، خرجت المجموعة بتحليل للفرص المتاحة الآن أمام المؤسسة، التي لا بد من استغلالها واستثمارها خلال السنوات الخمس القادمة.  ومن الفرص الكبيرة، ذكرنا توفر مجموعات مجتمعية متعددة من فنانين ومعلمين وأهال أضحوا جزءاً لا يتجزأ من عمل المؤسسة، ويشاطرونها رؤياها بحماس.  فضلاً عن اقتناع الوزارات المعنية بعمل المؤسسة كوزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة، وبعض البلديات، بضرورة التغيير، واعترافها بدور المؤسسة في هذين المجالين، والتوجه إليها سعياً للتعاون.  قدر الزملاء أيضاً أن الطلب الاجتماعي لخدمات المؤسسة وبرامجها يتزايد من عام إلى آخر، بما في ذلك في داخل الخط الأخضر، وفي لبنان، حيث تتسنى أمامنا فرص حقيقية لبناء شراكات جديدة طويلة الأمد مع أفراد ومؤسسات عدة.  لقد ارتأت المجموعة أن هذه الفرص تتيح أمامنا مجالاً للتوسع إعلامياً أيضاً، ليس لنشر رسالة المؤسسة فحسب، بل، والأهم، من أجل تعميق وتوسيع أثر برامجها على القطاعات المستهدفة.  أشار الحضور أيضاً إلى الإقبال المتزايد والتوسع المستمر لنطاق عمل قاعات الموزاييك، حيث تفتح ، وباستمرار، فرص التعاون الدولي والتبادل، واستقبال الخبرات الدولية في فلسطين، فضلاً عن فتح مجالات تعليمية وتدريبية جديدة أمام الفنانين الفلسطينيين والعرب، وأنه لا بد من استثمارها بشكل أوسع.  واتفقت المجموعة على أن المناصرة المتنامية للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، قد شجعت عشرات الأفراد والمؤسسات على تطوير فرص التبادل والمؤازرة لمشاريعنا.  ومن الواضح أن وجود مرافق ومشاريع جاهزة لاستقبال هؤلاء الأصدقاء والمؤازرين، كتلك التي تتمتع بها المؤسسة، يشكل فرصة مهمة لتقوية علاقات المؤسسة دولياً، وتزويد المجتمع الفلسطيني بخبرات قد لا تكون متوفرة لديه.

 

وفيما يخص التهديدات، فمنذ خطتنا الخماسية السابقة 2009-2013 وحتى صيف هذا العام 2014، اجتاحت قوات الاحتلال قطاع غزة ثلاث مرات، وأنزلت بأهله وبنيانه الدمار البشع، وعلى مستوى غير مسبوق من الدموية والوحشية والسادية.  خلال هذه الفترة أيضاً، ساد الانقسام الداخلي في الجسم السياسي الفلسطيني، وانقلب العالم العربي رأساً على عقب في دوامة من العنف والدمار والتشريد لم يكن أحد منا يتخيلها ممكنة قبل سنوات قليلة.  ولا شك أن هذا التقلب وعدم الأمان، وعدم الاستقرار، والعداء ما بين الفصائل الفلسطينية، وتدهور المشروع الوطني الفلسطيني، وتصعيد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلين، وتشرذم جغرافيا فلسطين، وانقطاع أواصر مجتمعها الأعزل - هذه العناصر كلها تشكل تهديدات هائلة لأي شخص أو مؤسسة تعمل في المنطقة.  لكن ما يزيد هذه التهديدات خطورة، هو عدم وضوح مآلاتها، وإلى أين تذهب بنا.

 

أما على الصعيد المحلي، فارتأينا أن طغيان الثقافة المجتمعية المحافظة وتناميها، سيكون له أثر عميق على عملنا، كما هجرة الخبرات وضعف مخرجات المؤسسات الأكاديمية الوطنية، وتدني الوضع الاقتصادي الذي قد يمنع بعض المستفيدين من برامجنا من الوصول إليها، لاسيما الأطفال.  خشينا أيضاً من أن تسييس السياسات الحكومية في مجالي الثقافة والتربية، ودس الخلافات الأيديولوجية فيها، سيؤثران سلباً على قدرتنا على العمل بشكل مستقل ومهني.

 

وبعد نقاش كل هذه النقاط، والتعمق فيها، توصل الزملاء إلى التوجهات الاستراتيجية التالية التي ستُبنى عليها خطط عملنا للسنوات 2014-2018:

 

  • البناء على تراكم الخبرات والمصادر والموارد وتوظيفها بالحد الأقصى.
  • تطوير ثقافة المؤسسة، وأنظمتها، وهيكليتها.
  • تحقيق التكاملية في عمل المؤسسة والبرامج فكرياً وعملياً.
  • تطوير نوعي في الرؤيا، والمعرفة، والتوجهات، والممارسات، لتعزيز أثر عمل المؤسسة وبرامجها.
  • توظيف التكنولوجيا الحديثة في مجالات عمل المؤسسة وبرامجها المختلفة.
  • الاستمرار في التوسع والانتشار من خلال النماذج النوعية والملهمة ضمن الموارد المتاحة.
  • تعزيز روح العطاء والتشارك لدى المستفيدين، وروح التطوع لدى فئات المجتمع المختلفة.
  • زيادة إشراك المجتمع المحلي والعربي والدولي في تعزيز موارد المؤسسة المادية والمعنوية.

 

وبناء على هذه التوجهات، تم تحديد الأهداف العامة الخمسة التالية:

 

أولاً. دعم المجتمع في الاعتماد على ذاته في حقلي التربية والثقافة، من خلال الأهداف الاستراتيجية التالية:

 

  • خلق نماذج ملهمة ومستدامة  يحتذى بها.
  • بناء وتطوير الشراكات والتشبيك والاستخدام الكفء للموارد المتوفرة.
  • تشجيع قيم العطاء والعمل التطوعي والمبادرات المجتمعية.

ثانياً. المساهمة في عملية التكون والتكوين بمنحى تكاملي نوعي إبداعي.

 

  • بناء قدرات المستهدفين من العاملين في مجالات التربية، والثقافة والفنون، والطفولة.

 

ثالثاً. تعميق الحوار والفعل الاجتماعي في الثقافة والتربية.

 

  • المساهمة في تحسين السياسات التربوية والثقافية.
  • تعزيز تقدير المجتمع للثقافة والتربية.

 

رابعاً. تعزيز حضور فلسطين الثقافي والتربوي وتحسينه، عربياً وعالمياً.

 

  • تعزيز حضور برامج المؤسسة عربياً ودولياً.
  • تشجيع التبادل الثقافي والتربوي وتعزيزه بين فلسطين والعالم.

 

خامساً. تطوير البيئة المؤسسية، من خلال:

 

  • تحسين جودة الإنتاج في التوثيق والنشر والإعلام.
  • تحسين الكفاءة الإدارية والتشغيلية في المؤسسة.
  • تعزيز مبادئ الحكم الرشيد وتطويرها.
  • تطوير البنية التحتية والتكنولوجية.
  • تحقيق الاستدامة والاستقلالية المالية للمؤسسة.

 

هذه الأهداف تعني أنْ المؤسسة تطمح إلى إطلاق أو استكمال عدد من المشاريع والبرامج المهمة الجديدة على مدى السنوات الخمس القادمة، إضافة إلى المشاريع القائمة حالياً.  وتشمل المشاريع المستقبلية إنشاء وافتتاح مبنى المؤسسة الجديد "المركز الثقافي ومقرّ فلسطين"، الذي سيتضمن، إضافة إلى المكاتب الإدارية للمؤسسة، مركزاً ثقافياً يحتوي على مساحة مخصصة للمعارض الفنية، ومكتبة، وقاعة متعددة الأغراض من أجل تنظيم المحاضرات، وورش العمل، والمنتديات، والحفلات الفنية، وعروض الأفلام، وبيت الضيافة.  كما يجري العمل على إنشاء مركز ثقافي للطفل في جنين، بالشراكة مع مؤسسة التعاون وبلدية جنين، استناداً إلى تجربة مركز القطان للطفل الملهمة في غزة، إضافة إلى خطة شامة لبناء مركز علوم تفاعلي في فلسطين، بالشراكة مع بلدية رام الله، وبناء فضاء ثقافي وفنيّ وتعليمي في غزة، وتطوير برنامج ثقافي وتعليمي موسّع في لبنان، والعمل على دراسة جدوى لإنشاء مدرسة نموذجية في فلسطين، وتطوير برامج شاملة لبناء قدرات وتأهيل الموظفين وأخرى تدريبية وتطوعيّة.  وعلى الصعيد الداخلي، تنوي المؤسسة الاستثمار في تطوير نظام شامل وموحّد لتقنية وإدارة المعلومات، وتوسيع مجلس الأمناء من خلال رفده بأعضاء جدد، وتشكيل مجلس استشاري، إضافة إلى تطوير نظام شامل للإعلام والنشر، وتعزيز الموارد البشرية وتطويرها.

 

النسخة الكاملة للخطة الاستراتيجية للمؤسسة، إضافة إلى خطة قاعات الموزاييك، تجدونها على الموقع الإلكتروني للمؤسسة.

 

أنتهز هذه المناسبة لتقديم الشكر والامتنان لكل الزملاء والشركاء الذين خاضوا معنا هذه العملية التخطيطية المضنية، لاسيما الدكتور سمير بيضون، والسيد علاء الغلاييني من غزة.  وأتمنى أن نتمكن من إنجاز كل المشاريع الطموحة التي نرنو إليها بمستوى الإتقان الذي عوّدنا جمهورنا عليه على الرغم من كل المصاعب والتحديات التي تواجه بلادنا.

 

عمر القطان      

رئيس مجلس الأمناء

 

  

 
طاقم عمل المؤسسة أثناء الخلوة التي عُقدت في أريحا في كانون الثاني 2014
 
 
 
 
 
 
 
من زيارة الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم للمؤسسة
 
 
 
 
 
 
زيارة رابطة أبناء رام الله في أمريكا للمؤسسة
 
 
 
 
 
 
من ورشة لإحياء الدمى في التعليم تمّ تنظيمها في المؤسسة
 
 
 
 
 
 
 
جانب من الحوار بين الشاعر جولان حاجي مع الممثل عمار حاج أحمد حول العلاقة بين الشعر والسياسة في قاعات الموزاييك في لندن
  
 
 
 
 
 
 
 جانب من الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في مركز القطان للطفل في غزة
 
 
 
 
 
 
 
 لوحة للفنان نبيل أبو غنيمة من معرض "أبعاد" في غزة، بدعم من برنامج الثقافة والفنون

 

 
 الفنانة ريم تلحمي أثناء حفل إطلاق ألبومها "يحملني الليل" في ساحة المؤسسة
 
 
 أثناء عرض أحد الأفلام ضمن مهرجان الأفلام العلمية في مركز القطان للطفل في غزة